زيجات لبنانية صادمة في العصر الإلكتروني: ابتزاز ينكث بالوعد والعقد
أزواج يهدّدون بعضهم بنشر فيديوهات جنسية تجمعهما
لا نجوم في ليل ضحايا الابتزاز كما ليلنا، وغروب شمسهم، حتماً لا يبدأ عند غروب شمسنا. فصفارات الإنذارات والتهديدات تنطلق فقط عند سماعها دقات الإثني عشرة بعد نصف الليل. وكأنّ بالخوف اختفى نهاراً كي ينبعث من جديد، حالكاً غاضباً مهدداً. ليلهم قاتم، أشد سواداً من ليلنا؛ حقاً، لا تريد لليلك أن يشبه ذاك الليل. لحظاته مضطربة ومرتعدة، والجاني هنا يتعمّد ذلك عن سبق إصرار وتصميم، ليس عفوياً هو، بل يقتنص الفرصة كي تصبح فريسته وحيدة ليتحكم بها.
الرسائل الصوتية التي تصل من ضحايا الابتزاز تكفي لوصف رعب النفوس المرتجفة. أصوات متناقضة، صارخة مقاومة حيناً، وخافتة خانعة حيناً آخر. بين صرخات الألم وصمت الانهيار، يستغرق الوقت دقائق كي تتضح معالم وماهية وآلية الابتزاز. “لقد أخطأت، لكن بحاجة لمن ينقذني من براثن قاتلة. رجاءً ساعدوني”. الجملة الأكثر استخداماً لدى ضحايا الابتزاز. وكم تنطوي تلك الجملة على اسثغاتة عاجلة، وكم هي قادرة على توصيف موقف ضعيف لا حول له ولا قوة. نعم، هناك من يقف بجنب هؤلاء. لكن من يقف بجنبهم الآن ومن سيخرجهم من ذلك الجحيم، لم يكن برفقتهم حين اشتعلوا فيه.
وكيف لمن حضن وغمر وأسقط قبلات الحب على شريكه، وشاركه السرّاء والضرّاء أن يتحوّل لقاتل شرير يشهر تهديده دون رحمة؟ نعم، “المبتز لا يرحم”_ وهذه ليست جملة عرضية. إنّها الجملة القاتلة.
تهديد الأزواج واقع منفصل!
عندما انطلقنا في حملتنا لمكافحة الابتزاز الإلكتروني في حزيران 2019، تحت عنوان ما يبتزك نحن حدك، على خلفية انتحار طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً عقب تعرّضها لابتزاز، اعتقدنا يومها أنّ الحملة ستستهدف بشكل خاص المراهقين، أي من هم بين 12- 18 عاماً؛ على اعتبار هذه الفئة العمرية، أقل إدراكاً للعواقب وعرّضة للتهديد الأكبر لناحية نشر المحادثات والفيديوهات والصور الساخنة المتبادلة؛ إلى حين توالت الأحداث والجرائم الإلكترونية لتطال الفئة العمرية الأكبر، حتى أولئك الذين بلغوا منتصف العمر.
اليوم، وخلال متابعتنا لقضايا جرم الابتزاز لناحية تدريب الضحية على كيفية التعامل مع التهديدات، كما مساعدتها على التخلّص من جرم التهديد، لاحظنا أنّ الابتزاز لا يسثتني أحداً، لا أعزباً، ولا مطلقاً، ولا متزوجاً؛ بل الأمر أقوى من ذلك. التهديد تسلّل إلى فراش الأزواج مخترقاً خصوصيتهم، خالعاً عنهم أثواب العفة والرومانسية، نافضاً عنهم سنوات الودّ والوئام، محوّلاً أسمى المشاعر وأقدسها، إلى أجساد عارية لا بدّ من فضحها.
بات الابتزاز يتوسّط من تعهدا على صون الود وقطعا الوعود وربطا العقدة الأبدية… وبتنا أمام جرائم تنكث بالوعد والعقد. الأزواج هنا يرتكبون جرم الابتزاز بحق بعضهم.
آخر “صيحات” موضة الابتزاز مفاجئة بل صادمة؛ حيث يردنا وابل من الاتصالات الهاتفية، والرسائل المكتوبة والصوتية تتمحور حول: “زوجي / طليقي يهددني بنشر فيديوهات ساخنة جمعتنا إن لم أنفذ طلبه”. الطلب هنا عادة ما يكون مادياً عبارة عن حفنة من الدولارات، أو ابتزازاً معنوياً لحضانة الأطفال، أو ابتزازاً عاطفيا،ً كأن استفاق الجلاد على ضحيته فجأة بعد سنوات، انتقاماً أو نكداً أو طمعاً. وقد يصل الأمر إلى حد جرّ الضحية إلى ممارسة أعمال دعارة مهدّدة بنشر فيديوهات تتضمن مشاهد جنسية بحال الرفض، وهذا ما يدخل في لائحة الإتجار بالبشر.
مهلاً نسوية! جرم الابتزاز ليس محصوراً بالرجل. هو ليس الجاني وحده هنا. نعم، هناك رجال يتعرّضون للابتزاز من زوجاتهم/ طليقاتهم، ويناشدون المساعدة لتخليصهم من تلك “الجميلة الرقيقة” التي ألبسوها خاتم الأبدية يوماً.
وفيما يستنكر البعض تصوير الأفلام الجنسية بين الزوجين، يري البعض الأخر أنّ الفكرة جيدة ومباحة نظراً لقدسية العلاقة الزوجية؛ فتوثيق اللحظات الحميمة قد يحفظ ذكرى جميلة، أو يكون وسيلة تقريب عند البعد والسفر؛ في نهاية الأمر هما زوجان أمام الله والجميع. لكن، ما قد يخفى ليس في الحسبان. للأسف، فقد تحوّلت فرضية التصوير إلى آفة اجتماعية خطيرة ترجم وتضرب وتعنّف وتقتل حتى.
قانون العقوبات يجرّم الابتزاز
يعتبر قانون العقوبات اللبناني أنّ الابتزاز جريمة بموجب المادة 650 منه، التي تعاقب كل من هدّد شخصاً بفضح أمره أو إفشائه أو الإخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه، أو من قدر أحد أقاربه، لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره. وعقوبة الابتزاز هي الحبس من شهر الى سنتين، والغرامة حتى ستماية ألف ليرة لبنانية. ويدخل ضمن تطبيق هذه المادة الابتزاز بالكومبيوتر أو استعمال معلومات تم الحصول عليها بواسطة الكومبيوتر والأنظمة المعلوماتية.
الجريمة الكبرى هنا: العود الطري الضحية الأكبر
متمادين في إجرامهم، يتنكّر بعض الأزواج، للتأثير السلبي الناتج عن التهديد والابتزاز على صحة أطفالهم النفسية والعقلية. هم يتناسون عمداً، أو حقاً يجهلون ما قد يعني أن يشهد طفلاً على جريمة ابتزاز تحصل في عائلته، من مصدري الحماية والأمن والأمان، بل هما أهم المصادر، وأقواها. هما الأقرب والأصدق والأشد عطفاً. ليس أمراً عرضياً أن يتحوّل ركنا العائلة إلى وحشين مجرمين أمام من لا حيلة ولا قوة له. لا بدّ من التوقف هنا لحظات. لا يمكن تجاهل ذلك.
تستحضرنا هنا دراسات عدة أُجريت حول علاقة الأب والأم بأطفالهما، وما تتضمنه هذه العلاقة من روابط قد تدفع بالطفل/ة قدماً، أو قد ترديهما فريسة الإضطرابات النفسية والعقلية، إلى حد عدم قدرتهما حتى على تحديد هويتهما الجنسية في سن المراهقة؛ فالأب هو الأمن والأمان ومصدر القوة للعائلة، والأم هي مصدر العاطفة والدعم؛ وأيّ تصرّف عنيف قد يهزّ صورة الرجل والمرأة في نظرهما، مّما قد يسبب لهما اضطرابات عقلية ونفسية، تصل إلى حدّ الإنحراف والانتحار.
في عصر أصبح منهكاً بالأزمات الاقتصادية والنفسية والصحية، سلّط سيف التكنولوجيا حدّه الأول كي نعيش القرية الكونية، فيما شهر حدّه الثاني قاتلاً معنفاً ظالماً. وبين السيفين، يقبع هناك في زاوية موحشة طفل متروك دون حماية اليوم، ليشهر السيف نفسه مضطرباً منتقماً بعد حين.
لطيفة الحسنية